كان هناك زمن لم يكن لدينا فيه إلا الحقيقة والكذب. أسود وأبيض. صح أو خطأ.
لكننا الآن نعيش في عصر ما بعد الحقيقة: ذلك الخط الرمادي الذي يفصل بين الحقائق،الأكاذيب، والخيال.
إذا تناولنا كل قطاع من قطاعات اقتصادنا، نجد أزمة أو مشكلة في الحصول على “الأرقام الصحيحة”.
فقطاع العلوم في أزمة بسبب عدم قدرة العلماء على الحصول على النتائج نفسها بعد إعادة التجربة ذاتها (أي القدرة على القيام بالتجربة مرة ثانية وإعادة إنتاج النتائج نفسها).
والأمر نفسه بالنسبة للشركات التي نادراً ما تحصل على الأرقام الدقيقة التي تدّعي أنها تحققها من خلال أبحاثها. ففي الواقع، وجدت دراسة أجرتها صحيفة “هارفارد للأعمال” أن 3٪ فقط من بيانات الشركات تلبي معايير الجودة الأساسية.
وفيما يتعلق بمنصات الإعلام المزيفة، فإنها تقوم بنشر أخبار مزورة في الوقت الذي تتهم الصحف الشرعية بنشرها.
فعلى سبيل المثال، ظهرت العديد من المواقع الإخبارية المزيفة خلال انتخابات ترامب. وقد جنت هذه المواقع مبالغ كبيرة من خلال الإعلانات الإلكترونية، إذ نشرت أخباراً مزيفة فاضحة نجحت بجذب عدد كبير من القراء.
والمضحك المبكيٍ أن ترامب أعلن بنفسه عن قائمة 11 مرشحاً لجائزة أفضل خبر كاذب (Fake News Awards).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: إذا كان القارئ الناطق باللغة الإنجليزية يمكن أن يقع ضحية لمثل هذه الأكاذيب، فما الذي يمكن توقّعه من القراء الاخرين؟
يمكن الاستنتاج أننا فعلاً نعيش في عالم ما بعد الحقيقة. فكما يقول البروفيسور جوليان بيركينشاو: “نحن نعيش في عالم ما بعد الحقيقة، حيث تتنافس الحقائق البديلة والأخبار المزيفة على المستوى نفسه مع الأبحاث والمصادر الموثوقة سابقاً.”
هل يتغلغل هذا الكذب إلى المستوى الشخصي؟
طبعاً!
لم تعد العبارات اليوم جملاً بسيطة ذات معنى واحد، بل أصبحت أكاذيب خطيرة نرويها لبعضنا البعض، سواء قصدنا ذلك أم لا.
في الواقع، تشير الأبحاث إلى أن المواطن الأميركي العادي يكذب عدة مرات يومياً، وغالباً من دون سبب وجيه.
لكن الأميركيين ليسوا وحدهم مَن يجيد الكذب. فالكذب – أي الكذبة البيضاء- هو عادة متأصلة في العالم العربي، مثل أي عرف أو تقليد.
نحن نكذب عملياً في كل شيء وبلا مبالاة. فحياتنا مليئة بالأكاذيب بدءاً من التحية صباحاً، وصولاً إلى كلامنا عن عملنا وأوضاعنا المالية والشخصية، وأهم شيء عن آرائنا السياسية. وبما أن الأكاذيب طالت جميع نواحي حياتنا، فقد بتنا ندرك أننا نعاني من مشكلة.
لقد سيطر النفاق على مجتمعنا العربي كاملاً، وهذه المشكلة عواقبها وخيمة في جميع المجالات: إعلامياً، وتجارياً، وأدبياً، وأكاديمياً، وسياسياً.
فبعض المصادر تؤكد أننا فعلاً نعيش في حقبة “ما بعد الحقيقة” في المجال السياسي، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى حرب سوريا الدموية.
المشكلة أعمق ممّا تظن
الأمر ليس فقط كتابة أخبار مزيفة مقابل المال. المشكلة هي أن عدد الخبراء والوكالات المشاركين في إنتاج الحقائق قد تضاعف، والكثير منهم يفتحون أبواب التوظيف. وإذا كنت تريد حقاً أن تجد خبيراً على استعداد لتأييد الحقائق، فإنك تستطيع ذلك شرط أن تملك ما يكفي من المال أو النفوذ السياسي. لكن ما يزيد من خطورة هذا الأمر، وخاصة في الدول العربية، أن هذا الوضع أصبح هو المعيار بدلاً من الاستثناء.
الحلول
الطريقة الوحيدة لمعالجة هذه المعضلة هي تدريب وسائل ومنصات الإعلام على مبادئ الصحافة الصريحة والضميرية، فالحقائق والأخلاق هما من أعمدة الصحافة. إن خبراء الإعلام أيضاً يحتاجون إلى التدريب على تحقيق الاستدامة والاستقلالية لمنصاتهم في عالم أصبح يعادي الإعلام بشكل متزايد.كما أن تنظيم دورات تدريبية مع خبراء في هذا المجال يسمح للوسائل الإعلامية بأن تحصل على النجاح المالي من دون أن تخسر نزاهتها، وهذا ما تحاول العمل عليه مؤسسات مثل “مهارات” و”دوتشيه فيلليه أكاديمي”.
كان هناك زمن لم يكن لدينا فيه إلا الحقيقة والكذب. أسود وأبيض. صح أو خطأ.
لكننا الآن نعيش في عصر ما بعد الحقيقة: ذلك الخط الرمادي الذي يفصل بين الحقائق،الأكاذيب، والخيال.
إذا تناولنا كل قطاع من قطاعات اقتصادنا، نجد أزمة أو مشكلة في الحصول على “الأرقام الصحيحة”.
فقطاع العلوم في أزمة بسبب عدم قدرة العلماء على الحصول على النتائج نفسها بعد إعادة التجربة ذاتها (أي القدرة على القيام بالتجربة مرة ثانية وإعادة إنتاج النتائج نفسها).
والأمر نفسه بالنسبة للشركات التي نادراً ما تحصل على الأرقام الدقيقة التي تدّعي أنها تحققها من خلال أبحاثها. ففي الواقع، وجدت دراسة أجرتها صحيفة “هارفارد للأعمال” أن 3٪ فقط من بيانات الشركات تلبي معايير الجودة الأساسية.
وفيما يتعلق بمنصات الإعلام المزيفة، فإنها تقوم بنشر أخبار مزورة في الوقت الذي تتهم الصحف الشرعية بنشرها.
فعلى سبيل المثال، ظهرت العديد من المواقع الإخبارية المزيفة خلال انتخابات ترامب. وقد جنت هذه المواقع مبالغ كبيرة من خلال الإعلانات الإلكترونية، إذ نشرت أخباراً مزيفة فاضحة نجحت بجذب عدد كبير من القراء.
والمضحك المبكيٍ أن ترامب أعلن بنفسه عن قائمة 11 مرشحاً لجائزة أفضل خبر كاذب (Fake News Awards).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: إذا كان القارئ الناطق باللغة الإنجليزية يمكن أن يقع ضحية لمثل هذه الأكاذيب، فما الذي يمكن توقّعه من القراء الاخرين؟
يمكن الاستنتاج أننا فعلاً نعيش في عالم ما بعد الحقيقة. فكما يقول البروفيسور جوليان بيركينشاو: “نحن نعيش في عالم ما بعد الحقيقة، حيث تتنافس الحقائق البديلة والأخبار المزيفة على المستوى نفسه مع الأبحاث والمصادر الموثوقة سابقاً.”
هل يتغلغل هذا الكذب إلى المستوى الشخصي؟
طبعاً!
لم تعد العبارات اليوم جملاً بسيطة ذات معنى واحد، بل أصبحت أكاذيب خطيرة نرويها لبعضنا البعض، سواء قصدنا ذلك أم لا.
في الواقع، تشير الأبحاث إلى أن المواطن الأميركي العادي يكذب عدة مرات يومياً، وغالباً من دون سبب وجيه.
لكن الأميركيين ليسوا وحدهم مَن يجيد الكذب. فالكذب – أي الكذبة البيضاء- هو عادة متأصلة في العالم العربي، مثل أي عرف أو تقليد.
نحن نكذب عملياً في كل شيء وبلا مبالاة. فحياتنا مليئة بالأكاذيب بدءاً من التحية صباحاً، وصولاً إلى كلامنا عن عملنا وأوضاعنا المالية والشخصية، وأهم شيء عن آرائنا السياسية. وبما أن الأكاذيب طالت جميع نواحي حياتنا، فقد بتنا ندرك أننا نعاني من مشكلة.
لقد سيطر النفاق على مجتمعنا العربي كاملاً، وهذه المشكلة عواقبها وخيمة في جميع المجالات: إعلامياً، وتجارياً، وأدبياً، وأكاديمياً، وسياسياً.
فبعض المصادر تؤكد أننا فعلاً نعيش في حقبة “ما بعد الحقيقة” في المجال السياسي، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى حرب سوريا الدموية.
المشكلة أعمق ممّا تظن
الأمر ليس فقط كتابة أخبار مزيفة مقابل المال. المشكلة هي أن عدد الخبراء والوكالات المشاركين في إنتاج الحقائق قد تضاعف، والكثير منهم يفتحون أبواب التوظيف. وإذا كنت تريد حقاً أن تجد خبيراً على استعداد لتأييد الحقائق، فإنك تستطيع ذلك شرط أن تملك ما يكفي من المال أو النفوذ السياسي. لكن ما يزيد من خطورة هذا الأمر، وخاصة في الدول العربية، أن هذا الوضع أصبح هو المعيار بدلاً من الاستثناء.
الحلول
الطريقة الوحيدة لمعالجة هذه المعضلة هي تدريب وسائل ومنصات الإعلام على مبادئ الصحافة الصريحة والضميرية، فالحقائق والأخلاق هما من أعمدة الصحافة. إن خبراء الإعلام أيضاً يحتاجون إلى التدريب على تحقيق الاستدامة والاستقلالية لمنصاتهم في عالم أصبح يعادي الإعلام بشكل متزايد.كما أن تنظيم دورات تدريبية مع خبراء في هذا المجال يسمح للوسائل الإعلامية بأن تحصل على النجاح المالي من دون أن تخسر نزاهتها، وهذا ما تحاول العمل عليه مؤسسات مثل “مهارات” و”دوتشيه فيلليه أكاديمي”.