الأخبار Digital Media Viability Lab

مؤتمر “الأخبار المزيّفة وديمومة الإعلام” يختتم أعماله في بيروت

اختتم اليوم مؤتمر “الأخبار المزيّفة وديمومة الإعلام” أعماله في بيروت، ونظّمته مؤسسة “مهارات” وأكاديمية “دويتشه فيله” على مدى ثلاثة أيام، بين 24 و26 نيسان/ أبريل 2018، في فندق كراون بلازا في الحمراء في بيروت. وناقش المشاركون من عدد من الدول ظاهرة نشر وانتقال الأخبار المزيّفة وإمكانات الإعلام في مواجهتها. ويأتي المؤتمر ضمن برنامج “مختبر ديمومة الإعلام الرقمي” الهادف إلى تأمين حلول بديلة للمشاكل التي تواجهها الوسائل الإعلامية في العصر الرقمي، خاصة فيما يتعلق بموضوع الديمومة، وذلك عبر الدعم لتطوير نماذج عمل تؤمن التوازن بين إنتاج المحتوى الجيد وتأمين الإستدامة.

قصص قصيرة مؤثرة

قدّم المؤتمر في يومه الأخير مجموعة قصص مؤثرة لعدد من الصحافيين المستقلين وأصحاب المؤسسات الناشئة إذ قدموا أمثلة عن تجارب رائدة ومستقلة في مجال الصحافة وكيف تؤثّر على مجتمعها. من بين أولئك لؤي حازم مدير المحتوى في موقع “الحدود” الساخر في الأردن. وتطرق حازم إلى تفاعل الناس مع مضمون الموقع الساخر على اعتبار أنها أخبار حقيقية، حيث يعمد المتابعون إلى إعادة نشر المحتوى على أساس أنه “حقيقي”. وتجربة الموقع، صاحب الشعار الساخر “نحو مستقبل معين”، تبيّن بوضوح أسباب تفاعل الجمهور مع المضمون وتصديقه ونشره تماماً كما يحدث مع باقي الأخبار الزائفة والمفبركة. وأكّد حازم أن ” بعض الصحافيين يأخذ أخبارنا الساخرة ويحررها ويستطرد فيها”، معتبراً أن المشكلة في “أن هذه الأخبار تنتشر وثمة من يشاركها على مواقع التواصل ويضع علامات الإعجاب”. وعرض هاني بهجت، مؤسس “ده بجد؟” في مصر، لتجربة صفحة “ده بجد؟” على فايسبوك “التي حصدت أكثر من مليون متابع، بفضل مقارنتها بين المنشورات المزيّفة وأصلها الحقيقيّ”. وتطرق بهجت خلال عرضه إلى أهمية إعادة التأكد من الأخبار المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الثقافة التي يعززها موقعه “ده بجد؟” عبر المقارنة بين الأصل والمزيف مما زاد من تفاعل الجمهور مع الموقع.

من جانبها، شاركت المستشارة في مجال تنمية الإعلام باتريسيا توريس بورد، نائبة رئيس UBC International Media  للاستشارات في الولايات المتحدة، تجربتها مع المشاركين وقدّمت أمثلة عن تجارب صحافية مستقلة وناجحة بما يشجع أصحاب الأفكار في المبادرة غلى إنشاء منصاتهم الخاصة والمستقلة. وقدّمت للقصص الصحافية المستقلة من لبنان سناء الخوري.

تحديات الشركات الصحافية الناشئة في مواجهة الأخبار المزيّفة

ارتكازاً إلى الحاجة المتصاعدة إلى مؤسسات إعلامية تنتج صحافة نوعية، ومع الأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تواجه الشركات الصحافية الناشئة، جرت مناقشة بعض التجارب الناشئة والبحث في نماذج الأعمال الناجحة. وأدارت النقاش رلى مخايل، المديرة التنفيذية في “مؤسسة مهارات”. وقدّمت مخايل الدراسة التي أعدّتها “مهارات”، بدعم من أكاديمية “دويتشه فيله”، بعنوان “الشركات الناشئة وديمومتها في لبنان”. وشرحت مخايل أن الدراسة “تسلط الضوء على الإطار القانوني الداعم والتحديات التي تواجه المشاريع الإعلامية الناشئة وضرورة إيجاد نماذج أعمال مبتكرة”.

وفي هذه الحلقة تحدّث وليد الماجري، مؤسس موقع “انكفاضة” من تونس عن تجربته والصعوبات التي تواجه المؤسسات الناشئة والمستقلة والقدرة على الحفاظ على المحتوى الجيد. أما رانجان روي، مؤسس ومدير تنفيذي في مجموعة The Edge من الولايات المتحدة، فتناول تجربته من العمل في صفحات الاقتصاد في الصحافة الأميركية غلى إنشاء مؤسسة مستقلة. من جانبها تطرقت كريستينا تارداغويلا، مديرة وكالة لوبا في البرازيل، إلى صعوبة الانتقال من العمل كالمراسلة إلى امرأة أعمال، “لكن الأمر يتطلب الشجاعة” قالت. ولفتت إلى أنها “أصبحت تعمل على مدار الساعة”، مؤكدة أن الفكرة لإنشاء مؤسسة مستقلة يجب تكون جديدة مبتكرة وجيدة. واعتبرت تاردغويلا “أن وضع الميزانية هو الجزء الأصعب، وعلينا معرفة حجم الأموال الذي نحتاجه”.

فيما شرح كريستيان جيزلمان، صحافي من Krautreporter في ألمانيا، للحاجة إلى تجارب جديدة في ألمانيا إذ “قد يظن البعض أن سوق الإعلام في ألمانيا هو الجنة، لكننا نواجه مشكلة ثقة مع الجمهور، والحاجة إلى منتج جديد في ألمانيا جعلتنا ننجح”. وقال “كنت أعمل في صحيفة بشكل منتظم لساعات أكثر وأتقاضى أقل مما أعمل وكنت أغطي أحداث لا أريد الكتابة عنها، مما جعلني أنتقل إلى إنشاء عمل مستقل”، وركز على أن سر النجاح هو “الثقة وهي العنصر الأهم في جذب الجمهور”. وعرض الصحافي عمر سعيد، من موقع “مدى مصر” لتجربته في مصر حيث بدأ بالعمل على الموقع في 2013 وتحدث عن العوائق القانونية التي حالت دون جعل المدوّنة تعاونية مملوكة من عدد من الموظفين.

الأخبار المزيّفة وعلم النفس

عقدت على هامش المؤتمر محاضرة متخصصة مع الطبيب النفسي وعالم الأعصاب والباحث اللبناني ألبير مخيبر، الذي تحدث عن مبادرته Chiasma في فرنسا مع مجموعة من زملائه والهادفة لمساعدة الناس على فهم ما يجعلنا لا نصدّق إلّا الوقائع التي تتناسب مع قناعاتنا المسبقة.

المحاضرة لاقت ترحيباً من المشاركين خصوصاً أن مخيبر تمكن من موقعه من شرح عمل الدماغ وكيفية تصديقه ما يتوافق مع ما يعرفه سابقاً، ثم انتقل إلى عرض أهم الركائز التي تمكننا من مواجهة الأخبار الكاذبة. وقال مخيبر “الأخبار المزيفة ليس لها علاقة بالذكاء، وتالياً ليس الشخص الذكي من لا يقع في الأخبار الكاذبة. قبل التكنولوجيا كان يوجد كذب وصحافة للأخبار الكاذبة، أي أن الكذب ليس بالأمر الجديد”.  وسأل “لكن كيف يمكننا التفريق بين الكذب والحقيقة؟ وما هي المؤثرات التي تجعلنا نبني الحقيقة الخاصة بنا”. ورأى مخيبر “أننا نعتقد دوما أننا نرى نفس الشيء وهذه أكبر مشكلة في عالمنا اليوم وسبب الكثير من المشاكل”. وميّز الباحث اللبناني “بين التفكير كمحامي والتفكير كتحري، وهذان التفكيران يتحكمان بحياتنا وعلاقتنا مع كل ما يدور حولنا وكذلك الأخبار”. وتابع “في الغالب نحن نتعاطى مع الأخبار بتفكير المحامي (Motivated Reasoning)”. وكانت لمخيبر وقفة علميّة للتفريق بين وضعية (Learned Helplessness) وعكسها وهو اعتقاد اننا نعرف كل شيء (The Illusion Of Knowledge) التي تشكل مشكلة كبرى لأن من يعرف لا يمكنه التعلم ومن يثق بنفسه إلى تلك الدرجة لن يشكك في الأخبار”. ليعود ويشرح عمل الدماغ مع تصديق الأخبار المتوافقة مع قناعتانا، وانطلق للقول “إن الحل يكمن في الـMetacognition  لإيجاد نقطة شك تجعلنا بطيئين أكثر في الإجابة وفي تصديق ما يعرض أمامنا”.

وعقدت في ختام اليوم الأخير من مؤتمر “الأخبار المزيّفة وديمومة الإعلام”، حلقة نقاش مفتوحة بين كافة المشاركين، بهدف الإجابة عن سؤال “هل الجمهور جاهز لدفع المال مقابل الحصول على صحافة نوعيّة؟”، وأدارت النقاش الإعلامية ديما ترحيني، من “دويتشه فيله” عربية في ألمانيا، وشارك في الإجابة على أسئلة الحاضرين عدد من الخبراء الذين شاركوا في المؤتمر.